هل يمكن إحداث تنمية في ظل الديكتاتورية و تحت حكم الطغاة المستبدون، أم أن الديموقراطية ضرورية لإحداث نقلات إجتماعية و اقتصادية و ثقافية في حياة المجتمعات و آحاد البشر؟.
منذ سنوات طويلة قرات مساجلة علي صفحات الصحف دارت بين أستاذ الفلسفة الراحل الدكتور فؤاد زكريا و أستاذ الإقتصاد الدكتور جلال أمين حول هذا الموضوع. كان الدكتور زكريا يري أن الديموقراطية هي شرط لازم للتنمية و التقدم و النهوض، و يري أنه بدون تبادل السلطة و تغير الوجوه الحاكمة فإن التكلس يحل في مفاصل الحكم بطول البقاء علي المقاعد و عدم تجديد الدماء، كما كان يعتقد أن الحاكم الأبدي حتي لو كان وطنياً في البداية فإنه بالضرورة سيتأثر بمن يمتدحونه و يرفعونه إلي مصاف الآلهة، و لا بد أن يفسد في النهاية .
أما الدكتور جلال أمين فلم يشاركه الرأي، و لم يكن في ذلك الوقت يعتقد في الأهمية القصوي للديموقراطية في حياة اشعوب باعتبار أن المواطن العادي يحتاج إلي أشياء أخري يراها أكثر أهمية في حياته من الثرثرة تحت قبة البرلمان و الانتخابات التي قد تأتي في بعض الأحيان بأسوأ الناس سواء في أعلي مناصب السلطة أو في المجالس الشعبية. و قد ضرب الدكتور أمين أمثلة في هذا الشأن تقلل من الأهمية القصوي للديموقراطية باعتبارها مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعوب. و كان مما قاله أن الديموقراطية في فرنسا لم تحل دون سقوط باريس في يد الجيش الألماني، كما أن ديكتاتورية ستالين في الإتحاد السوفييتي لم تعوقه عن تحقيق الانتصار و دحر النازية و دخول برلين، كما لم تمنعه من تحويل الدولة الزراعية المتخلفة في روسيا القيصرية إلي قوة عالمية جبارة حققت تقدماً في كل شيء و صارت واحدة من قوتيين عظميين في العالم.. هذا غير أن الديموقراطية و الإنتخابات هي التي حملت الحزب النازي بقيادة هتلر إلي الحكم.
و في الحقيقة لقد أسعدني أن جلال أمين قد كتب بعد وفاة فؤاد زكريا في العام الماضي مقالاً ذكر فيه المساجلة التي كانت بينهما قبل عشرين عاماً و اعترف للدكتور زكريا بصواب رأيه في أنه لا غني للشعوب المتطلعة للتقدم عن الديموقراطية.
و في رأيي أنه لا يمكن أن ننكر الصعود و التقدم السريع الذي أحدثته بعض الأنظمة غير الديمواقراطية، كما لا نستطيع أن نغفل أن من سمات الحكم الشمولي القدرة علي التعبئة و الحشد و توحيد الجهود و العمل تحت شعارات مغرية و توجيه الناس بعيداً عن الصخب و الجدال و المسائلة و المحاسبة و شوشرة الصحف..و هذا كله قد ينتج عنه معدلات تنمية عالية في وقت قصير و تشغيل كثيف للأيدي العاملة و القضاء علي البطالة، و القفز خطوات في مضمار الصناعة و الزراعة.
و لكن لأن كل هذا قد يتحقق علي حساب الروح التي تكون قد اختنقت و علي حساب الحرية التي بدونها لا يكون الإنسان إنساناً، فإنه يسهل أن ينهار كل هذا البناء و تذروه الرياح بعد أن كان يُظن أنه ثابت راسخ و لا يتزحزح. و يمكن للراصد أن يري أعداداً رهيبة من النساء الحاصلات علي أعلي الشهادات و أقصي تأهيل علمي من اللاتي كن يعملن في المصانع و المعامل في دول أوروبا الشرقية، و بعضهن كن ضمن علماء الدولة المتميزين في الجامعات و المعاهد و مراكز البحوث قد انتهي بهن المطاف راقصات في أندية الليل في عشرات من المدن حول العالم!!.
لكن مما يعزي هذه الدول أن التفكير العلمي و قيم العمل و الجدية المتأصلة في الناس هناك قد تساعد هذه البلاد التي اتجهت حديثاً نحو الديموقراطية علي تحقيق نموذج الدولة العادلة التي توفر الكرامة و لقمة العيش.
أما بالنسبة لبلادنا التعيسة فلا يمكن أن تقود الديكتاتوريات بها الشعوب نحو أي نهضة كالتي أحدثها ستالين في الاتحاد السوفييتي أو كالتي عرفتها دول أوروبا الشرقية أو حتي كالتقدم العلمي و الطبي المعروف بها بلد فقير مثل كوبا. ذلك أنه لم يعد في إمكان دولة في زمننا هذا أن تنكفيء علي ذاتها و تغلق الباب علي نفسها حتي تنتهي من البناء و التنمية ثم تخرج علي العالم قوة يعملون حسابها. لم يعد هذا ممكناً في عصر الشركات متعدية الجنسيات (و ليس متعددة الجنسيات) حيث سقط مفهوم السيادة و أصبح من حق المنظمات الدولية المختلفة التي تعد أذرعاً للقوي الكبري أن تدس أنفها في كل شيء و تفرض وصفات الإصلاح الوهمي علي الدول و تمنعها من التنمية المستقلة.
لم يعد أمام الشعوب من سند علي طريق التنمية سوي الديموقراطية، و هي وحدها نقطة الإرتكاز التي نستطيع البناء منطلقين منها. و الديموقراطية هي التي نستطيع بها مقاومة ضغوط الدول الكبري الراغبة في فرض أجندتها علينا. و ليكن لنا في تركيا أسوة حسنة، فقد أحدثت في ثماني سنوات من الحكم الديموقراطي نقلة نوعية في حياة المواطن التركي. و بالديموقراطية و استناداً إلي الشعب الذي انتخبها استطاعت الحكومة التركية أن تقول لا للولايات المتحدة التي أرادت استخدام الأجواء و الأراضي التركية في غزو العراق.
و لكن في غياب الديموقراطية انطلقت الآلة الحربية الأمريكية من الأراضي و الأجواء العربية في تدمير كل أوجه الحياة في العراق و ليس فقط إسقاط حكمه الفاسد!. و تعين علي الشعب العراقي أن يدفع ثمن وحشية و إجرام نظامه البعثي السابق و ضعف و هوان الديكتاتوريات العربية التي لم تستطع أن تقول للأمريكان لا كما فعل الأتراك!.
منذ سنوات طويلة قرات مساجلة علي صفحات الصحف دارت بين أستاذ الفلسفة الراحل الدكتور فؤاد زكريا و أستاذ الإقتصاد الدكتور جلال أمين حول هذا الموضوع. كان الدكتور زكريا يري أن الديموقراطية هي شرط لازم للتنمية و التقدم و النهوض، و يري أنه بدون تبادل السلطة و تغير الوجوه الحاكمة فإن التكلس يحل في مفاصل الحكم بطول البقاء علي المقاعد و عدم تجديد الدماء، كما كان يعتقد أن الحاكم الأبدي حتي لو كان وطنياً في البداية فإنه بالضرورة سيتأثر بمن يمتدحونه و يرفعونه إلي مصاف الآلهة، و لا بد أن يفسد في النهاية .
أما الدكتور جلال أمين فلم يشاركه الرأي، و لم يكن في ذلك الوقت يعتقد في الأهمية القصوي للديموقراطية في حياة اشعوب باعتبار أن المواطن العادي يحتاج إلي أشياء أخري يراها أكثر أهمية في حياته من الثرثرة تحت قبة البرلمان و الانتخابات التي قد تأتي في بعض الأحيان بأسوأ الناس سواء في أعلي مناصب السلطة أو في المجالس الشعبية. و قد ضرب الدكتور أمين أمثلة في هذا الشأن تقلل من الأهمية القصوي للديموقراطية باعتبارها مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعوب. و كان مما قاله أن الديموقراطية في فرنسا لم تحل دون سقوط باريس في يد الجيش الألماني، كما أن ديكتاتورية ستالين في الإتحاد السوفييتي لم تعوقه عن تحقيق الانتصار و دحر النازية و دخول برلين، كما لم تمنعه من تحويل الدولة الزراعية المتخلفة في روسيا القيصرية إلي قوة عالمية جبارة حققت تقدماً في كل شيء و صارت واحدة من قوتيين عظميين في العالم.. هذا غير أن الديموقراطية و الإنتخابات هي التي حملت الحزب النازي بقيادة هتلر إلي الحكم.
و في الحقيقة لقد أسعدني أن جلال أمين قد كتب بعد وفاة فؤاد زكريا في العام الماضي مقالاً ذكر فيه المساجلة التي كانت بينهما قبل عشرين عاماً و اعترف للدكتور زكريا بصواب رأيه في أنه لا غني للشعوب المتطلعة للتقدم عن الديموقراطية.
و في رأيي أنه لا يمكن أن ننكر الصعود و التقدم السريع الذي أحدثته بعض الأنظمة غير الديمواقراطية، كما لا نستطيع أن نغفل أن من سمات الحكم الشمولي القدرة علي التعبئة و الحشد و توحيد الجهود و العمل تحت شعارات مغرية و توجيه الناس بعيداً عن الصخب و الجدال و المسائلة و المحاسبة و شوشرة الصحف..و هذا كله قد ينتج عنه معدلات تنمية عالية في وقت قصير و تشغيل كثيف للأيدي العاملة و القضاء علي البطالة، و القفز خطوات في مضمار الصناعة و الزراعة.
و لكن لأن كل هذا قد يتحقق علي حساب الروح التي تكون قد اختنقت و علي حساب الحرية التي بدونها لا يكون الإنسان إنساناً، فإنه يسهل أن ينهار كل هذا البناء و تذروه الرياح بعد أن كان يُظن أنه ثابت راسخ و لا يتزحزح. و يمكن للراصد أن يري أعداداً رهيبة من النساء الحاصلات علي أعلي الشهادات و أقصي تأهيل علمي من اللاتي كن يعملن في المصانع و المعامل في دول أوروبا الشرقية، و بعضهن كن ضمن علماء الدولة المتميزين في الجامعات و المعاهد و مراكز البحوث قد انتهي بهن المطاف راقصات في أندية الليل في عشرات من المدن حول العالم!!.
لكن مما يعزي هذه الدول أن التفكير العلمي و قيم العمل و الجدية المتأصلة في الناس هناك قد تساعد هذه البلاد التي اتجهت حديثاً نحو الديموقراطية علي تحقيق نموذج الدولة العادلة التي توفر الكرامة و لقمة العيش.
أما بالنسبة لبلادنا التعيسة فلا يمكن أن تقود الديكتاتوريات بها الشعوب نحو أي نهضة كالتي أحدثها ستالين في الاتحاد السوفييتي أو كالتي عرفتها دول أوروبا الشرقية أو حتي كالتقدم العلمي و الطبي المعروف بها بلد فقير مثل كوبا. ذلك أنه لم يعد في إمكان دولة في زمننا هذا أن تنكفيء علي ذاتها و تغلق الباب علي نفسها حتي تنتهي من البناء و التنمية ثم تخرج علي العالم قوة يعملون حسابها. لم يعد هذا ممكناً في عصر الشركات متعدية الجنسيات (و ليس متعددة الجنسيات) حيث سقط مفهوم السيادة و أصبح من حق المنظمات الدولية المختلفة التي تعد أذرعاً للقوي الكبري أن تدس أنفها في كل شيء و تفرض وصفات الإصلاح الوهمي علي الدول و تمنعها من التنمية المستقلة.
لم يعد أمام الشعوب من سند علي طريق التنمية سوي الديموقراطية، و هي وحدها نقطة الإرتكاز التي نستطيع البناء منطلقين منها. و الديموقراطية هي التي نستطيع بها مقاومة ضغوط الدول الكبري الراغبة في فرض أجندتها علينا. و ليكن لنا في تركيا أسوة حسنة، فقد أحدثت في ثماني سنوات من الحكم الديموقراطي نقلة نوعية في حياة المواطن التركي. و بالديموقراطية و استناداً إلي الشعب الذي انتخبها استطاعت الحكومة التركية أن تقول لا للولايات المتحدة التي أرادت استخدام الأجواء و الأراضي التركية في غزو العراق.
و لكن في غياب الديموقراطية انطلقت الآلة الحربية الأمريكية من الأراضي و الأجواء العربية في تدمير كل أوجه الحياة في العراق و ليس فقط إسقاط حكمه الفاسد!. و تعين علي الشعب العراقي أن يدفع ثمن وحشية و إجرام نظامه البعثي السابق و ضعف و هوان الديكتاتوريات العربية التي لم تستطع أن تقول للأمريكان لا كما فعل الأتراك!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق